نص الشبهة:
قال الشيعي:
قام مذهب ابن تيمية
في التجسيم على أساس باطل هو تحريم تأويل صفات الله تعالى ووجوب حملها على ظاهرها
الحسي المادي! فقال إن يد الله في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ
إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ
فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ
أَجْراً عَظِيماً). معناها أن الله تعالى له يد وهي جارحة كأيدينا! وخالف بذلك
المسلمين الذين قالوا إن معنى (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) قدرته فوق قدرتهم،
تعالى الله أن يكون حسياً له جوارح حسية مثلنا!
إن نزل القرآن باللغة العربية وهي
مبنية على الحقيقة والمجاز والكناية والتشبيه والإستعارة، وغيرها من وسائل البلاغة
وأساليبها، وهذا من مالها وأسرار بلاغتها،
نص الجواب:
قال أبوبكر المغربي:
أولا: قوله قام مذهب ابن تيمية....، تمويها وتلبيسا على القراء من أن عقيدة
أهل السنة والجماعة إنما أظهرها ابن تيمية كذبا وزورا، ونحن نسأله، هل يخالف شيخ
الإسلام أولئك الحنابلة الذين نقل عنهم؟ وهل يخالف ابن خزيمة؟ وهل يُخالف الصحابة
الذين نقل عنهم إثباتهم للصفات؟؟
ثانيا: إن قوله: إن ابن تيمية قال إن لله يدا جارحة كأيدينا محض افتراء
عليه ودونه كتب شيخ الإسلام فلياتنا بنص منها إن كان صادقا، وإلا فحق عليه قوله
تعالى: (لعنةَ الله على الكاذبين).
ثالثا: قوله بأنا نُحرم التأويل فأي تأويل
يقصد؟؟.
إن كان يقصد صرف ظاهر اللفظ إلى ما يحتمله من
المعاني المرجوحة دون قرينة قطعية وإنما لمجرد خواطر العقول وتوهمها الذي هو من
إيحاءات الشياطين فنعم ننفي هذا النوع من التأويل، وهو تأويل فاسد عقلا وشرعا ولغة. فمن
قرأ قوله تعالى:
(لما خلقت بيدي) فالأصل وهذا بإجماع اللغويين وغيرهم أن المراد باليد الصفة
المعلومة عند المخاطبين، فما هي القرينة التي صرفت هذا المدلول المجمع عليه إلى المعنى
المرجوح المختلف فيه؟؟
فإن قيل يلزم من إثبات اليدين تشبيهه تعالى بالإنسان كانت القرينة قرينة إلزام وهي أضعف القرائن ويمكن قلبها فنقول ويلزم من
نفي اليدين عن الله تعالى تشبيهه بالأفعى فيُقال في الله تعالى ذات بلا يدين ويقال في الأفعى ذات
بلا يدين وهذا عين التشبيه، فإن قيل لا يلزم من نفي اليدين عن الله تشبيهه بالأفعى
قلنا ولا يلزم من إثباتهما تشبيهه بالإنسان وهذا مقدم ففيه نص. كيف وآية الشورى في
صفنا حيث يقول تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) فنفى المشابهة في الكيفية
فقط دول اللفظ والمدلول بدليل قوله وهو السميع البصير،
فقوله ننفي التأويل بذلك الإطلاق كذب ومن قرأ
كتب أهل السنة علم أن التأويل عندنا أقسام منها الصحيح والفاسد، قال ابن القيم
رحمه الله في فواتح الصواعق المرسلة:
(الفصل الثاني وهو انقسام التأويل إلى صحيح وباطل:
فالتأويل
الصحيح هو القسمان الأولان وهما حقيقة المعنى وما يؤول إليه في الخارج أو تفسيره
وبيان معناه وهذا التأويل يعم المحكم والمتشابه والأمر والخبر. ..... فالتأويل
الباطل أنواع ) وذكر تسعة أنواع.
رابعا: في
قوله تعالى: (يد الله فوق أيديهم) صريحة الدلالة في أن لله تعالى يدا، وحتى ولو أولوا الآية بمعنى قدرة الله فوق قدرتهم يضطرهم إثبات صفة اليد لله تعالى،
وذلك أن ظرف مكان يمنع أن يكون حشوا بين صفتين وأحد المتّصِفين لا يتصف بها، فلو
قيل لعربي: يد زيد فوق يد الأفعى لقال: هذه جملة فاسدة وعلل فسادها بأن الأفعى لا
يد لها، وإن قيل له يد زيد فوق يد عمرو لقال: الجملة سليمة وعلل ذلك بأن لكليهما
يدا، ثم نسأل المخالف ونقول له: (يد الله فوق أيديهم)، هل الجملة صحيحة أو
فاسدة مع التعليل، والجواب واضح إن لم تمنعه المكابرة.
خامسا: كيف
يقول الشيعي إن المسلمين فسروها بمعنى قدرة الله فوق قدرتهم ومرجعه الصافي يقول في
تفسيره للآية: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله لانه المقصود ببيعته يد الله
فوق أيديهم يعني يدك التي فوق أيديهم في حال بيعتهم إياك إنما هي بمنزلة يد الله)
ففسر الآية بأن يد الرسول التي كانت فوق أيدي المومنين هي بمنزلة يد الله تعالى التي لم تكن فوقهم، فأثبت لله يدا من الآية ولم يفسرها بالقدرة، فهل الصافي من
المشركين؟؟ بل إن الشيرازي يرد هذا التفسير بأن اليد في الآية بمعنى القدرة فيقول
في تفسيره لها:
((يد الله فوق أيديهم)..
إذ إن هذا التعبير كناية عن أن بيعة النبي هي بيعة الله، فكأن الله قد جعل يده على
أيديهم فهم لا يبايعون النبي فحسب بل يبايعون الله، وأمثال هذه الكناية كثيرة في
اللغة العربية!. وبناء على هذا التفسير
فإن من يرى بأن معنى هذه الجملة (يد الله فوق أيديهم)هو أن قدرة الله فوق قدرتهم
أو أن نصرة الله أعظم من نصرة الناس وأمثال ذلك لا يتناسب
تأويله مع شأن نزول الآية ومفادها وإن كان هذا الموضوع بحد ذاته صحيحا).
فلا ندري ماذا يكون الشيرازي وهو يعجل الآية كناية عن يد الله تعالى لا عن يد غيره فأثبتها له إلا أنه يقول بأن اليد التي كانت فوق
أيديهم هي يد الرسول ويقول بأن
تفسيرها بالقوة والنصرة لا يتناسب مع سبب نزولها، وهذا ما يجهله الشيعي.
سادسا: أما المجاز ففيه خلاف بين أهل اللغة لا يترتب
عليه أي نزاع عقائدي فمن العلماء من ينفي وقوعه في اللغة والقرآن ومنهم من يثبته
فيهما ومنهم من يثبته في اللغة دون القرآن.
والقول بالمجاز في القرآن لا يلزم منه البتة
نفي الصفات لأن المجاز خلاف الحقيقة ولا يجوز صرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز إلا
بقرينة نصية.
فعندما نقرأ قوله تعالى: (وجاء ربك والملك
صفا صفا) فالفعل استوفى فاعله وأُسْنِدَ إلى فاعله فوجب حمل الآية على الحقيقة وهو
ما يُسمى في علم البلاغة بالحقيقة العقلية فحتى نؤول ذلك إلى المجاز العقلي لابد
أن تكون عندنا قرينة قطعية تمنع صدور هذا الفعل من هذا الفاعل، والذين يحملون
الآية على المجاز قرينتهم في ذلك عقلية ظنية، كقولهم من المحال صدور هذا الفعل من الله،
وهذا قول على الله بغير علم، كيف والعقول
أيضا لا تُحيل ذلك؟.
أو أن تكون القرينة حسية، كأن نقول مثلا: جاء محمد ونريد غلامه بدليل
رؤيتنا للغلام، فما القرينة المعتمد عليها في صرف آية المجيء عن ظاهرها إلى المجاز؟؟
والخلاف في إثبات المجاز أو نفيه في اللغة أو
في القرآن أو فيهما معا خلاف معتبر،
والذين ينفون المجاز يحملون الأمثلة التي يُمثل بها في المجاز على الإستعارة،
والإستعارة عندهم من قبيل التشبيه والتشبيه دلالته وضعية بخلاف المجاز فدلالته
عقلية وهو قول قوي له الثقل والذي عليه التحقيق أنه واقع في اللغة والقرآن،
أما
اعتراض الشيعي على هذا النافي للمجاز بقوله:
فهذا
إلزام واهن:
إذ
لو سُلّم بوقوع المجاز في اللغة وخرجنا من هذه الدائرة الواسعة فلا يلزم وقوعه في
القرآن فليس كل ما جاز وقوعه في اللغة جاز وقوعه في القرآن ومن ذلك على سبيل
التمثيل بدل الغلط فلا يجوز وقوعه في القرآن وأسلوب الرجوع الذي هو من
محاسن علم البديع فمن المحال وقوعه في القرآن مع كونه من محاسن الكلام،
وغير
ذلك من الأنواع، فتبطل مقدماته من أن كل جائز في اللغة جائز في القرآن من وجهين:
الأول: وقوع المجاز في اللغة منازع فيه غير
مسلم
الثاني: ليس كل ما جاز في اللغة جاز في
القرآن، فلا يلزم من القول بالمجاز في اللغة وقوعه في القرآن.
0 التعليقات: