نص الشبهة:
قال المعطلة:
كيف ينزل الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير والمطالع تختلف من منطقة لأخرى.
نص الجواب:
قال أبوبكر المغربي:
أولا: نزول الله سبحانه وتعالى كسائر صفات
الله الفعلية، كالمجيئ والتكليم والضحك والخلق وكلها جائز ثبوتها لله سبحانه وتعالى عقلا فلا يستطيع أحد أن ينفيها عقلا، فلا يبقى إلا أن يعضد نقل هذا الإثبات العقلي
وقد ثبت ذلك نقلا، فكان المثبت لهذه الأفعال لله عز وجل موافق للعقل
والنقل، ونافيها عن الله سبحانه وتعالى مخالف للعقل والنقل.
ثانيا: كونه سبحانه وتعالى ينزل إلى
السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليل مع اختلاف المطالع دليل مصدق لقوله تعالى:
(ليس كمثله شيء) إذ أن كل شيء ينزل في وقت لزم عليه أن يتغيب عن المكان الآخر بل
عن أماكن كثير وأنه لا يمكنه البقاء في ذلك المكان إلى وقت محدد ويلزمه أن يكون
قبل ذلك الوقت في مكان آخر، فهذا في حق المخلوق لازم إلا أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثل المخلوق، فكيف بالمعطلة وهم يُكثرون تزبير كتبهم بأن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله مخلوقٌ ثم يعترضون على الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبره عن ربه بقياسهم الله سبحانه وتعالى على مخلوق
فهذا إن دل على شيء دل أن آية (ليس كمثله شيء) غير معظمة في قلوبهم ولا لها وزن
واعتبار وإلا لأعملوها هنا ولم يقيسوا الله سبحانه وتعالى بالمخلوق.
ثالثا: يجوز مثل هذا الفعل وهو النزول في وقت
معين في أماكن مختلفة مع تباعد المطالع واختلافها لبعض المخلوقات عقلا ونقلا، فقد قال
الله عز وجل: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل
أمر سلام هي حتى مطلع الفجر). فأخبر الله سبحانه وتعالى أن الروح ينزل
مع الملائكة ليلة القدر إلى الأرض ويظل فيها إلى مطلع الفجر والليل قد يحين في
مكان دون مكان ومطلع الفجر قد يسبق في مكان قبل الآخر وليلة القدر قد تكون في مكان
في يوم قبل المكان الآخر ولا أحد يقول كيف ينزل الروح في السعودية وليس في المغرب
ليل وكيف يصعد والملائكةَ لانقضاء الليل في مكان ولم ينقض في غيره، فإذا جاز في حق
مخلوق ضعيف ولم يكن لنا إلا التسليم والتصديق أفيكون ذلك مستحيلا في حق الخالق
القادر على كل شيء؟؟
وأيضا من الأمثلة على ذلك قبض ملك الموت للأرواح قال تعالى: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكل بكم)
فملك الموت مخلوق من خلق الله عز وجل وظيفته قبض أرواح من وُكِّل بهم من المكلفين -على من يرى أن قابض أرواح غير
المكلفين من الحيوانات وغيرها غير الذي يقبض روح المكلف-، وقد يأخذ أرواح مليون
مكلف من الإنس والجان مع اختلاف أماكنهم في وقت واحد، ولا أحد يقول كيف يفعل هذا
الفعل هنا وهناك وهنالك في وقت واحد بل كل مسلم يُسلِّم بذلك ويومن به،
أفيكون نزوله سبحانه وتعالى بعد هذين المثالين محالا في حق الله عز وجل؟.
ثالثا: لأهل السنة قاعدة جليلة وهي: أن الله سبحانه وتعالى لا يُسأل في أفعاله أو صفاته أو ذاته بكيف أو ما يُفضي إلى التكييف، فإننا نومن
بأن الله سبحانه وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ويجيء يوم القيامة ويضحك ويغضب
ويرضى ويُحب ويكره من غير أن نسأل كيف أو بما يكون الجواب عليه تكييفا، فهذه الصفات معانيها غير مجهولة وكيفياتها غير
معقولة.
رابعا:
الله عز وجل تعبدنا بالإيمان بالغيب وإن خالف العقل بل
أحيانا يذكر الله ما يُحير العقل اختبارا، ومثال هذا قوله تعالى (إنها شجرة تخرج
في أصل الجحيم) فإن العقل البشري يُحيل أن توجد شجرة نابتة في نار الدنيا فكيف في
نار جهنم؟! ومن
المتفق عليه بين عقول البشر أن النار والخشب لا يجتمعان، لكن الله سبحانه وتعالى ذكر لنا ذلك فتنة واختبارا فقال في سورة الإسراء: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك
إلا فتنة للناس والشجرةَ الملعونة في القرآن)
أي جعل الله الشجرة الملعونة في القرآن فتنة للناس أي اختبارا لهم فمن رد
هذا الخبر الغيبي وهو وجود شجرة تخرج في أصل الجحيم لمخالفتها لعقله كان أقل ما
يُقال فيه إن عذرناه بالجهل إنه مبتدع ضال، وهكذا صفات الله عز وجل وهي من
الغيبيات فلا يجوز ردها ونفيها عنه سبحانه وتعالى لكون العقل لم يُدركها بل الواجب اتهام العقل بالقصور والتسليم للغيب بالإيمان
خامسا: وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله: (النزول الذي لا يكون من جنس نزول أجسام العباد؛ فهذا لا يمتنع
أن يكون في وقت واحد لخلق كثير ويكون قدره لبعض الناس أكثر بل لا يمتنع أن يقرب
إلى خلق من عباده دون بعض فيقرب إلى هذا الذي دعاه دون هذا الذي لم يدعه.
وجميع ما وصف به الرب عز وجل نفسه من القرب فليس فيه ما هو عام لجميع المخلوقات كما في المعية؛ فإن
المعية وصف نفسه فيها بعموم وخصوص. وأما قربه مما يقرب منه فهو خاص لمن يقرب منه
كالداعي والعابد وكقربه عشية عرفة ودنوه إلى السماء الدنيا لأجل الحجاج وإن كانت
تلك العشية بعرفة قد تكون وسط النهار في بعض البلاد وتكون ليلا في بعض
البلاد؛ فإن تلك البلاد لم يدن إليها ولا إلى سمائها الدنيا وإنما دنا إلى السماء
الدنيا التي على الحجاج وكذلك نزوله بالليل.
وهذا كما أن حسابه لعباده يوم القيامة يحاسبهم
كلهم في ساعة واحدة وكل منهم يخلو به كما يخلو الرجل بالقمر ليلة البدر فيقرره
بذنوبه وذلك المحاسب لا يرى أنه يحاسب غيره. كذلك {قال أبو رزين: للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر قال: يا رسول
الله كيف؟ ونحن جميع وهو واحد فقال: سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله: هذا القمر كلكم
يراه مخليا به؛ فالله أكبر). وقال رجل لابن عباس رضي الله عنه:
(كيف يحاسب الله العباد في ساعة واحدة؟ قال: كما يرزقهم في ساعة واحدة).
وكذلك ما
ثبت في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
{يقول الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما
سأل فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال الله: حمدني عبدي فإذا قال
العبد: {الرحمن الرحيم} قال الله: أثنى علي عبدي فإذا قال العبد: {مالك يوم الدين}
قال الله: مجدني عبدي فإذا قال العبد: {إياك نعبد وإياك نستعين} قال: هذه بيني
وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم} {صراط الذين
أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل} .
فهذا يقوله سبحانه وتعالى : لكل مصل قرأ الفاتحة فلو صلى الرجل ما صلى من الركعات قيل له ذلك وفي
تلك الساعة يصلي من يقرأ الفاتحة من لا يحصي عدده إلا الله وكل واحد منهم يقول
الله له كما يقول لهذا كما يحاسبهم كذلك فيقول لكل واحد ما يقول له من القول في
ساعة واحدة وكذلك سمعه لكلامهم يسمع كلامهم كله مع اختلاف لغاتهم وتفنن حاجاتهم؛
يسمع دعاءهم سمع إجابة ويسمع كل ما يقولونه سمع علم وإحاطة لا يشغله سمع عن سمع
ولا تغلطه المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين فإنه I
هو الذي خلق هذا كله وهو الذي يرزق هذا كله وهو الذي يوصل الغذاء إلى كل جزء من
البدن على مقداره وصفته المناسبة له وكذلك من الزرع.
وكرسيه قد وسع السموات والأرض ولا يئوده حفظهما فإذا كان لا يئوده خلقه
ورزقه على هذه التفاصيل فكيف يئوده العلم بذلك أو سمع كلامهم أو رؤية أفعالهم أو
إجابة دعائهم سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا {وما قدروا الله
حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى
عما يشركون}.
0 التعليقات: