نص الشبهة:
كيف
تفسرون قوله تعالى: (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ
كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
هل
تقولون والعياذ بالله إن الله يفنى إلا صورة وجهه؟!!
نص الجواب:
قال أبوبكر المغربي:
أولا: هذا الإلزام قد يصح إن كان المُتكَلَّمُ
فيه ذاتا مركبة من أجزاء يصح انفكاكها والله سبحانه وتعالى ليس من ذلك فبقاء وجهه
لازم لبقاء ذاته وغيره من الصفات كذلك، بل استثناء أي صفة لازم لباقي الصفات
الأخرى، لأن الله سبحانه وتعالى لا يتجزء كي يصح الإلزام.
ثانيا: أنه يجوز في اللغة اطلاق الصفة على
الذات إن كانت الذات متصفة بتلك الصفة ومن هذا قوله تعالى: (فك رقبة) والرقبة هي
العنق وقطعا ليس المراد هنا العنق دون الذات ولا الذات دون العنق، وإنما المعنى فك الذات المتصفة
بالعنق، فيقال في معنى الآية: "وتبقى ذاته المتصفة بالوجه"، وهو تفسير بلازم اللفظ مع الإقرار بمضمون اللفظ، وهذا
ليس من التأويل الفاسد في شيء، بل هذا ما يسمى عند الأصوليين التفسير بالمطابقة
والتضمن واللازم وكلها من التفسيرات التي لا تتعرض لنفس اللفظ ومدلوله بتحريف،
وإنما التحريف من عطل مدلول لفظ الوجه.
ثالثا: أن الإستثناء في الآية منقطع فوجه
الله تعالى ليس من جنس ما سيهلك وذات الله أيضا ليست من جنسه (أي الهالك) فيكون
المعنى كل شيء هالك من المخلوقات لأنه استثنى وجهه وهو ليس من جنس المخلوقات، فكل
ما لم يكن من جنسها لا يشمله الفناء ومن ذلك ذاته سبحانه وتعالى وجميع صفاته
فهي غير مخلوقة.
ففي الأقوال الثلاثة لم نخرم قاعدتنا في
التأويل.
رابعا: أن قوله تعالى: {كل شيء هالك} لا يشمل
جميع المخلوقات فالجنة والنار وحور العين وخزنة الجنة والنار والروح على الخلاف فيها
وعرش الرحمن وغير ذلك كثير، فإذا جاز استثناء هذه المذكورات وهي مخلوقة، فكيف يُتصور دخول ذات
الله وباقي صفاته في ما يفنى؟!
وإنما معنى الآية على هذا، كل شيء كُتب عليه الفناء فهو هالك
ويبقى الإستثناء منقطعا، وبهذا المعنى يتبين أن الآية لا تفيد العموم فلم يحق
لمعطل أن يستدرك بقوله: وباقي الصفات؟؟"
خامسا: أنه من
المحال أن يهلك منه كل شيء ويبقى الوجه، وهو أجل وأكرم وأعظم من ذلك، إنما يهلك ما
ليس منه، ألا ترى أنه قال: {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}
ففصل بين خلقه ووجهه فدل أن الوجه صفة غير مخلوقة فما لم يكن مخلوقا لا يعمه
العموم
سادسا: أننا نقول وجهه أي ذو الوجه كما تقول: فعلت هذا لوجه فلان: أي لفلان،
فكان معنى الآية: كل شيء هالك إلا هو المتصف بالوجه الكريم. وقوله تعالى: {إنما
نطعمكم لوجه الله} ومثله قوله تعالى: {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال
والإكرام}.
سابعا: إنَّ
الآية دالة على ثبوت الوجه صفة له، وعلى بقائه سبحانه؛ لأن الإخبار عن بقاء المذوي
بالجلال والإكرام دال على بقاء ذاته.
ثامنا: نرد
على المعطلة فيما احتجوا به من قوله: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أن قوله: {كُلِّ
شَيْءٍ} يجمع كل شيء، لأن الكل يجمع كل شيء، فهل الله خلق نفسه وعلمه وسمعه
وحياته؟؟ ونقول أليس قد قال الله عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}
فهل يهلك ما كان من صفات الله. هل يهلك علم الله فيبقى بلا علم. هل تهلك عزته؟
تعالى ربنا عن ذلك، أليس هذه من الأشياء التي لا تهلك؟؟ فكما أنها لا تُهلك فكذلك
صفاته الخبرية كاليدين والعينين وغيرها، وقد قال الله عز وجل: {فَلَمَّا نَسُوا
مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا
فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} فقد
قال: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} فهل فتح عليهم أبواب التوبة،
وأبواب الرحمة، وأبواب الطاعة، وأبواب العافية، وأبواب السعادة، وأبواب النجاة مما
نزل بهم؟ وهذه كلها مما أغلق أبوابها عنهم، وهي شيء، فبما استثنيتم من هذا
العموم نستثني من قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه}. وقال في بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} ولم تؤت ملك سليمان ولم تسخر لها الريح
ولا الشياطين، ولم يكن لها شيء مما في ملك سليمان، وقال في قصص يوسف: {مَا كَانَ
حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ
شَيْءٍ} وإنما كان ذلك تفصيلاً لكل شيء من قصة يوسف. وقال: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ
كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ولم يخلق آدم من الماء
وإنما خلقه من تراب، ولم يخلق إبليس من الماء وإنما من نقيضه.
ولعل في هذا القدر كفاية.
0 التعليقات: