كل الفرق التي شابتها شائبة التعطيل أو غيره من البدع يلمزون أهل السنة بهذا اللفظ وغيره وكل الطوائف المنحرفة تصف
أهل السنة بوصف يخالف وصف الطائفة الأخرى وكفى بهذا دليلا على أن تلك الألقاب كلها
باطلة لا يصدق منها شيء على أهل السنة، فالمعطلة يسمونهم حشوية مع أن هذه النسبة
خاطئة لأنها نسبة لا إلى شخص كالزيدية نسبة إلى زيد والأشاعرة إلى الأشعري
والإباضية إلى عبدالله بن إباض والجهمية إلى الجهم بن صفوان فلا يوجد من أهل السنة
من يتسمى بهذا الإسم -أي حشوي- حتى تُنسب إليه طائفة كلها. ولا إلى مقالة كالرافضة
لقولهم إنهم يرفضون الترضي على الشيخين والمعتزلة لاعتزال واصل مجلس الحسن وحث
الناس على اعتزالهم، وإنما سموهم حشوية لأنهم يرونهم أصحاب حشو في الكلام أي ليس
لهم إلا قال الله و قال رسوله ولا يُعملون العقل،
والمعطلة ينفون أن يكون أهل السنة نواصبَ والرافضة يقولون فيهم نواصب والنوصب يرونهم مرجئة والمرجئة يرونهم خوارج والخوارج يرونهم جهمية
والجهمية يرونهم مشبهة والمشبهة يرونهم معطلة، وهكذا كل فرقة تصفهم بوصف وتنفي عنه
الآخر، فهل يُعقل أن يصدق عليهم كل هذا ويُنفى عنهم في نفس الوقت؟؟. فهذا فيه دليل
أن كل تلك الألقاب خاطئة بخلاف الرافضة أجمع الناس أنهم رافضة وهكذا جميع الفرق
يصدق عليهم وصف واحد
ثانيا: هذه
التسمية أول من ابتدعها هم المعتزلة، فإنهم يسمون الجماعة والسواد الأعظم بالحشو،
كما تسميهم الرافضة الجمهور والعامة، وحشو الناس هم عموم الناس وجمهورهم، وهم غير
الأعيان المتميزين، يقولون هذا من حشو الناس، كما يقال هذا من جمهورهم، وأول من
تكلم بهذا عمرو بن عبيد، قال: "كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه حشوياً"، فالمعتزلة سموا الجماعة حشواً كما
تسميهم الرافضة الجمهور ومجرد تسميتهم أو تلقيبهم بلقب لا يدل على ذم فضلا على
الإنحراف.
ثالثا: مما يدل على بدعة إطلاق لفظ الحشوية على أهل السنة هو أن لفظة
الحشوية كانت تُطلق على قوم كانوا يقولون بجواز ورود ما لا معنى له في الكتاب
والسنة كالحروف في أوائل السور، وكذا قال بعضهم، وهم الذين قال فيهم الحسن البصري
لما وجد قولهم ساقطا، وكانوا يجلسون في حلقته أمامه: "رُدُّوا هؤلاء إلى حشا
الحلقة"، أي: جانبها. وأهل السنة لا يقولون بذلك القول فلا يسقط عليهم،
وتسميتهم به هو كتسمية أهل السنة بالرافضة، فخصوم أهل السنة يرمونهم بهذا الاسم؛
تنفيرا للناس عن اتباعهم والأخذ بأقوالهم،
رابعا: من الناس من فرق بين مذهب السلف ومذهب الحشوية، بأن مذهب الحشوية
ورود ما يتعذر التوصل إلى معناه المراد مطلقا، فالاستواء مثلا عندهم له معنى يتوصل
إليه بمجرد سماعه كل من يعرف الموضوعات اللغوية، إلا أنه غير مراد؛ لأنه خلاف ما
يقتضيه دليل العقل والنقل، ومعنى آخر يليق به تعالى لا يعلمه إلا هو عز وجل.
وكيف يكون مذهب السلف هو مذهب الحشوية وقد رأى الحسن البصري الذي هو من
أكابر السلف سقوط قول الحشوية، ولم يرض أن يقعد قائله تجاهه؟!
خامسا: أن الحشوية إنّما سمّوا بذلك لأنّهم يحشون الأحاديث التي لا أصل
لها في الأحاديث المرويّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: يدخلونها فيها وليست منها، روى النّفيس العلوي عن نشوان بن
سعيد الحميري، في كتابه "شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم" وذكر
ولده محمد بن نشوان في كتابه "ضياء الحلوم في مختصر شمس العلوم" ما يدلّ
على ذلك فقال: ((إن الحشويّة سمّوا بذلك لكثرة قبولهم الأخبار من غير إنكار)).
سادسا: أن من أقوال الحشوية التي اشتهروا بين الناس منع تلبس الجن بالإنس
وأن الجن غير مكلف ولاشك أن أهل السنة لا يقولون بهذ، قال ابن عبد
البر: الجن عند الجماعة مكلفون. قال عبد الجبار: لا نعلم خلافا بين أهل النظر في
تكليف الجن، إلا ما حكي عن بعض الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم، وليسوا مكلفين. والدليل للجماعة: ما
في القرآن من الوعد والوعيد، وهما لا يكونان إلا لمن خالف الأمر وارتكب النهي مع
تمكنه من الفعل والترك. ونقل ابن عطية وغيره: الإجماع على أن الجن متعبدون بهذه
الشريعة على الخصوص، وأن النبي مبعوث إليهم بإجماع، قال تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ
بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}، والجن بلغهم القرآن؛ لقوله تعالى {وَإِذْ صَرَفْنَا
إِلَيْكَ} الآية، وقوله تعالى {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ}، وقال
تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}
فإن قال قائل بعد هذا: ما رأيكم في
الحشوية؟.
فجوابنا:
مَن الحشوية الذين تسأل عن رأينا فيهم؟؟
جمهور المسلمين على إطلاق المعتزلة فيكون سؤالك عن الفرق الإسلامية كلها عدا
المعتزلة؟؟ فرأينا فيهم أن من وافق منهم الكتاب والسنة كان مهتديا، وإن كان سؤالك
عن الحشوية الذي يفترون على الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث كالكرامية ومن كان مثلهم، فهم بين
فاجر وكافر، وإن كنت تقصد بالحشوية من ليس لهم إلا قال الله قال رسوله فرأينا فيهم أنهم الفرقة الناجية، وإن كنت تقصد
بهذا اللقب القائل بأن الجن غير مكلف
فهذا مخطئ فإن كانت عقيدته سليمة كان على الحق مع هذا الخطإ المغفور وإن كانت
فاسدة كان على ضلال.
0 التعليقات: