أنكر شيعي مقلد للمعتزلة أن يُرى الله يوم القيامة وأنكر على المسلمين القائلين بعكسه
قلت:
أما الأدلة على أن الله سبحانه وتعالى يراه المؤمنون يوم القيامة
فهي كالتالي بالإختصار:
أولا: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) فالله عز وجل أضاف النظر في الآية الكريمة إلى الوجه، الذي هو محله، وتعدى فعل
نظر بأداة "إلى" الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على
خلاف حقيقته، فالآية بهذا موضوعة صريحة في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في
الوجه إلى الرب جل جلاله. فإن النظر له عدة استعمالات، بحسب صلاته وتعديه بنفسه؛
فإن عدي بنفسه فمعناه: التوقف والانتظار: {انظرونا نقتبس من نوركم}. وإن عدي
بـ"في" فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله: {أولم ينظروا في ملكوت
السماوات والأرض}، وإن عدي بـ"إلى" فمعناه: المعاينة بالأبصار، كقوله
تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر}، فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر؟.
فإذا لم يرد مسيلمة كوران إلا تحريفها عن معناها البين والواضح ويُسمِّي
ذلك تأويلاً، فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان والحساب أسهل على أربابه
من تأويلها، وتأويل كلِّ نص تضمَّنه القرآن والسنة كذلك. ولا يشاء مبطلٌ على وجه
الأرض أن يؤوِّلَ النصوص، ويحرِّفَها عن مواضعها، إلاَّ وجد إلى ذلك مِنَ السبيل
ما وجده متأوِّل مثل هذه النصوص.
ثانيا: الدليل العقلي الموافق لهذه الآية: وهو أن كل موجود جائز أن يُرى
وتتعلق الرؤية به وإنما الرؤية لا تتعلق بالمعدوم سواء كان يستحيل وجوده أو ممكن
وجوده فطالما أنه في حيز العدم لا يُرى، فالله سبحانه وتعالى موجود لا معدوم فجائز أن يُرى وهذا بالإستقراء التام إذ لا تكاد
تجد موجودا إلا وهناك من رآه، وهذا الإلزام بإلزامهم فهم يقولون لا نعلم ممن له
يدا أو ساقا إلا الأجسام، فنقول ولا نعلم ممن لا يُرى إلا العدم.
ثالثا: (فمن كان يرجو لقاء ربه) وغيرها من الآيات التي فيها أن الله تعالى
يلقى عباده فقد أجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى
والمانع اقتضى المعاينة والنظر.
رابعا: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فلما حجب هؤلاء في السخط، كان
في هذا دليلا على أن أولياءه يرونه في الرضى. ولو كان الكفار كلهم لا يرونه والمؤمنون
كلهم لا يرونه لكانوا كلهم عنه محجوبون فلم يكن لذكر ذلك مقيدا بالكفار أي فائدة
بل يكون والعياذ بالله لغوا.
خامسا: أن الله سبحانه وتعالى قال لمحجوبون فالحجاب حاجب للعباد لا لله سبحانه كما نبهت عليه هذه
الآية الكريمة فانه بين فيها انهم هم المحجوبون لا هو فدل أنه سبحانه وتعالى غير محجوب وكل ما كان غير محجوب فإنه مرئي وبهذا فجميع المومنين
يرونه سبحانه وتعالى وحُجِب الكفار عن رؤيته،
وأعد التدقيق في الآية وكيف قال سبحانه وتعالى "إنهم عنه" ولم يقل "إنه عنهم" ففيها سر لطيف لمن فتح الله بصره
وبصيرته.
سادسا: قوله تعالى: (على الأرائك
ينظرون)، ووجه الإستدلال أنه قد حُذف المنظور إليه والقاعدة البلاغية أن حذف
المعمول يفيد الشمول فقوله عز وجل ينظرون أي إلى كل نعيم وما يشتهون ومن ذلك النظر إلى وجه الله الكريم والمستثني شيئا من هذا العموم وجب عليه الإستدلال على هذا
الإستثناء بنص قطعي ولا وجود له،
والله سبحانه وتعالى يقول تعرف في وجوههم نضرة النعيم وهذه النضرة تكون بسبب النظر إلى
وجهه الكريم كما قال في الآية السابقة: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)
سابعا: قوله تعالى: (لهم ما يشاءون فيها ولدينا
مزيد)، ووجه الإستدلال زيادة على تفسير علي ابن أبي طالب لها أن الله عز وجل أثبت لأهل الجنة نعيمين ليسا
من جنس واحد، فأحد النعيمين راجع إلى مشيئتهم لعلمهم به
والثاني راجع لتفضل الله سبحانه وتعالى، فجنس النعم التي
للمومنين عُلم به هو نعيم البدن من أكل وشرب وجنان وقصور وخيام وأزواج مطهرة وحور
عين وغلمان يطوفون عليهم خداما لهم فكل هذه من نعم الأبدان وسرور القلب تبع لها،
والنظر إليه سبحانه وتعالى من نعيم القلب ابتداء
وانتهاء.
ثامنا: قوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة)، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وعلي رضي الله عنهما: بأنه النظر إلى وجه الله الكريم فلا نعيم زائد عن نعيم الجنة إلا النظر إلى وجهه فكل نعيم في
الجنة هو منها فالزائد شيء زائد عنها والزائد عن ذلك النظر إلى الله سبحانه وتعالى. والحمد لله الذي تتم به الصالحات.
تاسعا: روى القمي في تفسيره بسنده: ((تتجافى جنوبهم عن
المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) فانه حدثني ابي عن عبدالرحمان
بن ابي نجران عن عاصم بن حميد عن ابي عبدالله عليه السلام قال: ما من عمل حسن
يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل فان الله لم يبين ثوابها لعظم "خطرها"!! عنده فقال: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون
ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون- إلى قوله- يعملون).
ثم قال إن لله كرامة في
عباده المؤمنين في كل يوم جمعة، فاذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمنين ملكا
معه حلتان فينتهي إلى باب الجنة فيقول: استأذنوا لي على فلان، فيقال له هذا رسول
ربك على الباب، فيقول لأزواجه أي شيء ترين علي أحسن؟ فيقلن يا سيدنا والذي أباحك
الجنة ما رأينا عليك شيئا احسن من هذا قد بعث اليك ربك، فيتزر بواحدة ويتعطف بالأخرى
فلا يمر بشيء إلا أضاء له حتى ينتهى إلى الموعد فاذا
اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى فاذا نظروا اليه أي إلى رحمته (خروا
سجدا). فانظروا كيف صرح معصومهم بنظر المؤمنين لله I وكيف استدرك
عليك القمي بتفسرها بالرحمة، وما أخسر المؤمنين إن كانت رحمة الله I لا تصلهم إلا يوم الجمعة فقط. وهم أصلا ما دخلوا الجنة إلا بها.
والشاهد عندنا قول المعصوم في اعتقادهم لا تفسير أعجمي ليس بمعصوم.
0 التعليقات: